Admin Admin
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/04/2008
| موضوع: المدرسة القادرية وأثرها في الإصلاح والتربية الإثنين أبريل 14, 2008 2:01 pm | |
| المدرسة القادرية وأثرها في الإصلاح والتربية
يعد المؤرخون وأهل السير ظهور الشيخ عبد القادر مرحلة من مراحل الإصلاح في تاريخ الأمة الإسلامية فقد كان فريد عصره وكان مجدداً للدين والسنة . فبدأ رحلته الدعوية من مدرسة باب الأزج التي كان الشيخ أبو سعيد المخرمي قد أسسها وكانت مدرسة صغيرة في باب الأزج ( حي من أحياء بغداد ) . فلما توفى آلت إلى تلميذه عبد القادر , ويذكر أنه بدأ مجلسه بالرجلين والثلاثة ثم تزاحم الناس حتى صار مجلسه يضم سبعين ألفاً . ثم تزايد الإقبال حتى ضاقت المدرسة فخرج إلى سور بغداد بجانب رباطه , وصار الناس يجيئون إليه ويتوب عنده الخلق الكثير . وصارت له مكانة عظيمة وقد اجمع العلماء والأولياء والعارفين على مكانته وعلمه ويكفي أن نذكر قول شيخ الإسلام إمامنا النووي الشافعي رضي الله عنه في شيخنا الشيخ عبد القادر حيث يقول : ما علمنا فيما بلغنا من الثـقات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبد القادر الجيلي رضي الله عنه , كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته , وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة , وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء رضي الله عنهم بالتبجيل والإعظام , والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه ,وأُهرع إليه أهل السلوك من كل فج عميق وكان جميل الصفات شريف الأخلاق . كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة , مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه . قلائد الجواهر ص 137 نقلا عن بستان العرافين
وقد تميز سيدي عبد القادر قدس الله سره بأسلوبه في التربية والسلوك حيث بدأ أسلوباً جديداً استطاع به أن يفوق كل أقرانه فذاع صيته في البلاد وقصده الناس من كل مكان .
ولما آلت إليه مدرسة شيخه أبو سعيد عمد إلى توسيعها وإعادة بنائها , كما أضيف إليها عدد من المنازل والأمكنة التي حولها وأضاف إليها رباطاً للسالكين والفقراء . ولقد بذل الأغنياء في عمارتها أموالهم الكثيرة , وعمل الفقراء فيها بأنفسهم وبذلوا الجهد الكبير
وروى ابن رجب الحنبلي في طبقاته ج 1 ص 291 : أن امرأة فقيرة قررت المساهمة في عمارة المدرسة فلم تجد شيئاً . وكان زوجها من العمال فجاءت إلى الشيخ عبد القادر قدس الله سره تصطحب زوجها وقالت : هذا زوجي ولي عليه من المهر قدر عشرين ديناراً ذهباً ولقد وهبت له النصف بشرط أن يعمل في مدرستك بالنصف الباقي , ثم سلّمت الشيخ خط الاتفاق الذي وقعته مع زوجها . فكان الشيخ يشغله في المدرسة يوماً بلا أجرة , ويوماً بأجرة لعلمه أنه فقير لا يملك شيئاً , فلما عمل بخمسة دنانير أخرج له الخط ودفعه له , وقال : أنت في حِل من الباقي .
ولقد اكتمل بناء المدرسة عام 528 هـ , وصارت منسوبة إلى الشيخ عبد القادر رضي الله عنه حيث جعلها مركزاً لنشاطات عديدة منها التدريس و الإفتاء والوعظ والتربية والسلوك والإعداد الكامل في جميع المجالات ( الاجتماعي – الروحي – التربوي –النفسي ) من اجل مواجهة أعداء الأمة فقسمها إلى مدرسة لدراسة التلاميذ والطلاب , وإلى رباط لتربية المريدين والسالكين . وكان يعينه في ذلك بعض تلاميذه البارزين وبعض أبناءه كالشيخ عبد الوهاب رضي الله عنه وغيره . وبني مسجد أضيف إلى المدرسة من اجل الصلاة كان مشهوراً باسم الجامع ذي القباب السبعة . ثم سمي بعد ذلك باسم الشيخ عبد القادر . ثم أصبحت المدرسة تدعى فيما بعد بمحلة باب الشيخ , نسبة إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى .
أما تمويل المدرسة فلقد هيئ الله للشيخ من يتكفل بهذا فقد أوقف الأتباع والأغنياء عليها أوقافاً دائمة للصرف على الأساتذة والطلاب ويكون لها مورد دائم وكذلك كانت تأتي التبرعات والنذورات والصدقات وأموال الزكاة للشيخ فقد استطاع رضي الله عنه أن يكسب ثقة الجميع بصدقه وإخلاصه وزهده في كل ما يقدم له وكان يرضى من بالقليل من العيش فلذلك لم يترددوا في دفع أموالهم إليه ومنهم من أوقف الكتب لمكتبتها . وكان لها خدم مهمتهم العناية بأمورها وخدمة الأساتذة والطلاب . ومن هؤلاء أحمد بن المبارك المرقعاتي ومحمد بن الفتح الهروي ، فلقد أكرم الله الشيخ كرامة عظيمة وهيئ له الأتباع الصادقين فكانوا مستعدين للتضحية بأنفسهم وبأموالهم وبجهدهم في سبيل الشيخ وما يريد من نشر الخير وتجديد الدين فلقد استطاع الشيخ رضي الله عنه أن يفتح القلوب كلها فأحبه الصغير والكبير والرجل والمرأة والحاكم والمحكوم والغني والفقير وكل هذا لأنه أحب الله واخلص في ما يريد فسخر الله له العباد تسخيرا فكان هو وما يريد يلقى القبول عند جميع من يعرفه وكما ورد حتى الجن خضع لسطوته وطاعته كما وردت أخبار كثيرة بهذا وهذا معنى قول الله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض . وهكذا كان حال شيخنا رضي الله عنه وأرضاه كتب الله له القبول عند كل من عرفه وكانت له هيبة عظيمة ومنزلة عالية في قلوب الولاة والحكام والخلفاء
أما الرباط فكان يسكنه الطلبة الوافدون من خارج بغداد وكذلك يقيم فيه بعض السالكين والمريدين الذين ينقطعون للعبادة ويمارسون الرياضات والخلوات التي تساعد على تزكية نفوسهم وتقام فيه مجالس ذكر وأحيانا مجالس وعظ وكان يلجأ إليه الفقراء والمساكين . وكان يُشرف عليه أحد تلاميذ الشيخ عبد القادر الذي تخرّج على يديه في الفقه والتصوف معاً وكذلك السلوك والتربية وهو محمود بن عثمان بن مكارم النعال رحمه الله تعالى .
وبهذا المنهج التربوي العظيم استطاع الشيخ عبد القادر الجيلاني أن يجعل من مدرسته أعظم منارة في ذلك الزمن وقد تخرج منها جيل عظيم استطاع أن يثبت وجوده في التصدي للغزو الصليبي ومن بعده المغول والتتار وقد ذكر هذا الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه ( هكذا ظهر جيل صلاح الدين) فقال : وتدل الأخبار المتعلقة بالمدرسة على أنها لعبت دوراً رئيسياً في إعداد جيل المواجهة للخطر الصليبي في البلاد الشامية . فقد كانت المدرسة تستقبل أبناء النازحين الذين فروا من وجه الاحتلال الصليبي , ثم تقوم بإعدادهم ثم إعادتهم إلى مناطق المواجهة الدائرة تحت القيادة الزنكية . ولقد اشتهر ـ فيما بعد ـ نفر من هؤلاء الطلاب منهم ابن نجا الواعظ الذي أصبح فيما بعد مستشار صلاح الدين السياسي والعسكري , والحافظ الرهاوي , وموسى ابن الشيخ عبد القادر الذي انتقل إلى بلاد الشام ليسهم في النشاط الفكري , وموفق الدين ـ صاحب كتاب المغني ـ وأحد مستشاري صلاح الدين , وقريبه الحافظ عبد الغني اللذين وفدا للالتحاق بمدرسة سيدي الشيخ عبد القادر بعد أن نزحت أسرتهما من جماعيل في منطقة نابلس إلى دمشق . ولقد وصف ابن قدامة المقدسي طريقة عبد القادر في التعليم وأثره في طلبته فقال : ( دخلنا بغداد سنة إحدى و ستين وخمسمائة . فإذا بالشيخ عبد القادر ممن انتهت إليه الرئاسة بها علماً وعملاً وحالاً واستفتاءً . وكان يكفي طالب العلم عن قصد غيره من كثرة ما اجتمع فيه من العلوم , والصبر على المشتغلين وسعة الصدر . وكان ملء العين وجمع الله فيه أوصافاً جميلة وأحوالاً عزيزة وما رأيت بعده مثله ) .
والذي يتمعن في المنهج الذي طبقه سيدي الشيخ عبد القادر قدس الله سره , فهو يشبه بشكل كبير المنهاج الذي رسمه الغزالي . بل تكاد تجد أن الشيخ عبد القادر سار متابعا لما أسسه الإمام الغزالي فقد وضع الشيخ عبد القادر منهاجاً متكاملاً يستهدف إعداد الطلبة والمريدين علمياً وروحياً واجتماعياً , ويؤهلهم لحمل رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله . كذلك توفر لهذا المنهاج فرص التطبيق العملي من خلال المدرسة والرباط المعروفين باسم الشيخ عبد القادر , فكان منهجه قائما على العلم ومن ثم العمل ومن ثم الصدق والإخلاص وذلك بتزكية النفوس من خلال المنهج الرياضي في الخلوات والعبادات والأدعية والأذكار
فكان المنهج العلمي يتضمن حوالي ثلاثة عشر علماً تشتمل التفسير والحديث والفقه الحنبلي والخلاف والأصول والنحو والقراءات . على انه كان يستبعد علم الكلام والفلسفة وينهى عن مطالعة كتبها السائدة
وكان يجمع بين الفقه والتصوف السني شرطاً أساسياً للمريدين . واستطاع أن يعطي التصوف صورته الحقيقة فلم يجد له معارضين ولا منكرين وبهذا المنهج سار إمامنا رضي الله عنه
هذه هي المدرسة القادرية وهذا هو منهجها وعلى هذا قضى الشيخ رضي الله عنه حياته ، كرّس معظم أوقاته للمدرسة والرباط , وكانا منارتين عظيمتين ولا غنى لكل واحدة عن الأخرى وفرغ نفسه وأولاده لخدمة هذين المنارتين ، فكان لا يخرج منهما. ولقد قام أسلوبه في التدريس والتربية والوعظ والسلوك على مراعاة استعدادات كل طالب وكل مريد وكل زائر وكل مستمع والصبر عليه . ولقد أمضى الشيخ عبد القادر في التدريس ثلاثاً وثلاثين سنة بدأها عام 528 هـ حتى وفاته 561 هـ .
ولا تزال المدرسة باقية إلى اليوم . ولها مكتبة فيها مخطوطات شهيرة وتعرف باسم المكتبة القادرية . ولم يتخل أولاده عن المدرسة من بعده . بل ظلوا يدرّسون فيها : فدرس فيها أبنه الشيخ عبد الجبار حتى توفى سنة 575هـ وابنه الشيخ إبراهيم حتى توفى سنة 590هـ وابنه الشيخ عبد الوهاب حتى توفى سنة 593هـ , وابنه الشيخ عبد الرزاق حتى توفى سنة 603هـ , ثم درس فيها من حفدته الشيخ عبد السلام ابن الشيخ عبد الوهاب , والشيخ نصر قاضي القضاة ابن الشيخ عبد الرزاق وغيرهما . وعندما اجتاح هولاكو والتتار مدينة بغداد في سنة 656هـ قتلوا كثيراً من أفراد العائلة الكيلانية , وهدَّموا المدرسة والجامع , ثم أعيد بناؤها بعد زوال خطر التتار , وفي سنة 914هـ عندما احتل الشاه إسماعيل الصفوي بغداد هدم المدرسة والجامع أيضاً ,وعندما استعادها السلطان العثماني سليمان القانوني في يوم الاثنين 24جمادي الأولى سنة 941هـ أمر بإعادة بنائهما , وبناء تكيةٍ للفقراء إلى جانب الجامع , فبدأ سنان باشا ببناء الجامع , ولكنه توفي قبل إكماله , فأكمله والى بغداد علي باشا في العقد التاسع من المائة العاشرة للهجرة . ومما يذكر هنا أن ابن بطوطة عندما زار بغداد سنة 727هـ وكانت تحت حكم أبي سعيد خان من حفدة هولاكو ذكر أسماء الأضرحة والمزارات التي شاهدها ولم يذكر بينها ضريح الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى مما يدل على أنه كان لا يزال خرباً في ذلك الوقت . وفي سنة 1033هـ تعرضت المدرسة والجامع للتخريب مرة أخرى عندما احتل الصفويون بقيادة الشاه عباس الأول بغداد مرة أخرى سنة 1623م , وعندما أخرجهم منها السلطان العثماني مراد الربع في سنة 1048هـ جدَّد العمارة ثانية تحت إشراف المفتي الأكبر يحيي الذي أشرف أيضاً على إعادة بناء مسجد أبي حنيفة رحمه الله . وفي سنة 1139هـ عمّر والي بغداد أحمد باشا صُفّةً في الجامع , وفي سنة 1282هـ أضاف السيد علي الكيلاني نقيب الأشراف الرواق الكبير المجاور للحرم , وفي سنة 1297 هـ عمر السيد سلمان الكيلاني نقيب الأشراف منارة على الباب الغربي للجامع , وفي سنة 1317 هـ عمّر السيد عبد الرحمن الكيلاني نقيب الأشراف ساعة لأوقات الصلاة تناطح السحاب . وحوضاً للوضوء ورواقاً والطابق العلوي الكائن فوق حجرات الطابق الأرضي , وكان السلطان العثماني الثالث والعشرون أحمد الثالث قد أمر ببناء مدرستين أضافهما إلى البناء القديم ليدرس فيهما التلاميذ والمريدون وينامون ويأكلون مجاناً .
هذه هي المدرسة القادرية قامت وأسست على تقوى من الله ونور وهكذا بقيت وما تزال صرحا إسلاميا باقيا للآن | |
|