دخول الإمام الجيلاني رضي الله عنه إلى بغداد وطلبة للعلم
دخل رضي الله عنه بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بقصد طلب العلم ، وكان له من العمر ثماني عشرة سنة , وكانت بغداد في أوج عظمتها واتساعها وغناها , وابتلى الشيخ رضي الله عنه في أول حياته في بغداد ، وامتحن امتحانا قاسيا وتعرض للفتن والفقر والجوع والحرمان ، حتى كان يقتات من حواشي الأنهار ويمشي على الشوك حافياً ، وينام في البراري والخرب ، ولبس المرقع والرخيص من الثياب حتى لقب بالمجنون .
وطالما حدثته نفسه بترك بغداد ويرجع إلى أهله لكن الله ثبته وتابع طريقه الصعب الذي ملئ بالأهوال والصعاب ، ولكن عزيمته وهمته ساعدته لبلوغ مقصده فأخذ رضي الله عنه علم الظاهر بسائر فنونه على جماعة من الأعيان وبرع في جميع العلوم حتى كاد يعد للمناظرة في ثلاثة عشر فناً , وتأثر كثيراً بحجة الإسلام الإمام الغزالي رضي الله عنه وتقفا منهجه وزاد عليه وسمع رضي الله عنه الحديث على أيدي كثير من مشاهير عصره من الحفاظ وقرأ الفقه والأدب واللغة وألم بعلوم الشريعة من كل نواحيها وفاق جميع علماء عصره وصارت إليه الفتوى وخضع له كل علماء عصره واعترفوا بفضلة عليهم . وذاع صيته في البلاد , ثم صحب بعد ذلك جماعة من أرباب القلوب وأكابر أهلة الحقيقة فأخذ عنهم علم الطريقة وكان عمدته الشيخ أبو حماد الدباس لازمة نيفا وعشرين سنة وتربى على يديه وتأدب إلى أن صار من المحبوبين وتكلم ولا يبالي ولما تمكن وتهذب في العرفان . وكذلك أخذ عن قاضي القضاة أبو سعيد المبارك المخرمي . وأخذ طريق التصوف بجد وعزم وأقبل على المجاهدات والرياضات والخلوات بدون هوادة ، حتى صار من اكبر أرباب الأحوال . وصار من كبار الأولياء والتف حوله المريدين والتلاميذ حتى لقب بسلطان الأولياء والعارفين وخضع له المتصوفة وأرباب السلوك واعترفوا بفضلة عليهم وصار مرجعا لكل المتصوفة في زمانه لأنه غير منهج التصوف تغييراً كبيرا واستطاع أن يخضع التصوف للكتاب والسنة .ورسم منهجاً جديداً للتصوف مبنياً على الكتاب والسنة المطهرة ومع كل هذا كان زاهداً في الدنيا وشهواتها مقبلا على الآخرة ونعيمها . واستمرت فترة التحصيل العلمي للشيخ ثلاثا وثلاثين سنة قضاها على قدم وساق يحصل العلم والعمل والتصوف والسلوك وبدأ مرحلة جديدة من حياته وهي مرحلة تصدره للوعظ والتربية والتدريس وصارت مدرسته من أشهر وأكبر المدارس في البلاد الإسلامية بدون منافس وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياة الشيخ .
خادم الطريقة القادرية العلية